يُعد الشيخ محمد رفعت واحدًا من أعظم قراء القرآن الكريم في القرن العشرين، حيث ترك بصمةً لا تُنسى في عالم التلاوة والتجويد.
وُلد الشيخ محمد رفعت في 9 مايو 1882 بحي المغربلين في القاهرة، وفقد بصره في سن مبكرة بسبب مرض أصابه، إلا أن ذلك لم يكن عائقًا أمام إرادته القوية وحبه للقرآن الكريم.
حفظ القرآن في سن الخامسة عشرة، وأتقن أحكام التلاوة والتجويد ببراعة نادرة.
اشتُهر بلقب ” قيثارة السماء” ووصفه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب بـ”الصوت الملائكي” كما سماه الشيخ أبو العينين شعيشع “الصوت الباكي”؛ إذ كان يقرأ القرآن بخشوع شديد، ودموعه تنهمر على وجنتيه، كما سمي “المعجزة” نظرا لعذوبة صوته.
وأُطلق عليه ألقاب كثيرة أخرى، منها “الصوت الذهبي” و”مؤذن رمضان” و”بلبل الفردوس”.
بدأ الشيخ محمد رفعت مشواره مع تلاوة القرآن في مسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب، وسرعان ما ذاع صيته بسبب صوته العذب وأسلوبه الفريد في التلاوة. كان صوته يتميز بجمالية نادرة، حيث جمع بين القوة والرقة، مما جعله قادرًا على نقل المشاعر الروحانية العميقة إلى المستمعين.
وكانت تلاوته تجمع بين الإتقان الفني للقراءة والعمق الروحي، مما جعله محبوبًا لدى جميع الفئات، من العامة إلى العلماء.
اشتهر الشيخ محمد رفعت بأنه أول قارئ يقرأ القرآن الكريم عبر الإذاعة المصرية عند افتتاحها في 31 مايو 1934، حيث كانت تلاوته تذاع كل يوم جمعة.
وكانت هذه الخطوة نقطة تحول في حياته، حيث انتشر صوته في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، وأصبح رمزًا للروحانية والإتقان في تلاوة القرآن.
على الرغم من شهرته الواسعة، كان الشيخ محمد رفعت متواضعًا وزاهدًا في الدنيا، يعيش حياة بسيطة ويبتعد عن الأضواء.
كان يرفض تلقي المال مقابل تلاوته، معتبرًا أن القرآن الكريم لا يُباع ولا يُشترى.
وقد عانى في أواخر حياته من مرض سرطان الحنجرة، مما منعه من مواصلة التلاوة، إلا أنه ظل محتفظًا بإيمانه القوي وحبه للقرآن حتى وفاته في 9 مايو 1950.
ترك الشيخ محمد رفعت إرثًا عظي
مًا من التسجيلات القرآنية التي لا تزال تُذاع حتى اليوم، وتُعد مرجعًا للقراء والمتعلمين.
كان له أسلوب خاص في التلاوة، حيث كان يمتلك قدرة فريدة على تجسيد المعاني القرآنية وإيصالها إلى قلوب المستمعين.
وقد قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي: “كان صوت الشيخ محمد رفعت يخرج من قلبه إلى قلوبنا”.
باختصار، يُعتبر الشيخ محمد رفعت أحد أعلام التلاوة القرآنية الذين تركوا أثرًا عميقًا في تاريخ الإسلام.
كان صوته رسالة سماوية هزت القلوب وأعادت للناس صلتهم بالقرآن الكريم. رحم الله الشيخ محمد رفعت، الذي كان وما زال صوتًا يذكرنا بعظمة القرآن وجماله.